الوصف القانوني للبائع لعضوه البشري بين الاتفاقيات الدولية والقانون المصري
إعداد: محمد أبو الفتوح نعمة الله
المقدمة
تعد قضية بيع الأعضاء البشرية من الموضوعات القانونية والاجتماعية الحساسة، لما لها من انعكاسات على حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. وتكتسب أهمية خاصة في ضوء الالتزامات الدولية التي صدّقت عليها مصر، وبخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو 2000) والبروتوكول الملحق بشأن منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، إضافة إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010.
ويهدف هذا البحث إلى توضيح الطبيعة القانونية للبائع لعضوه البشري في القانون المصري، مع بيان التدرج القانوني ومكانة القوانين المكملة للدستور، وذلك لتحديد ما إذا كان البائع يُعتبر ضحية أم فاعلاً أصيلاً وفقًا للاتجاه المأخوذ به في القضاء المصري والمشرع الوطني.
⚖️ أولًا: اتفاقية باليرمو (2000) وملحقها الخاص بمنع الاتجار بالأشخاص
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو 2000) تضمنت بروتوكولًا ملحقًا خاصًا بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال.
- مصر وقّعت وصادقت على الاتفاقية وعلى البروتوكول الملحق بها،
 وبذلك أصبحت ملزمة دوليًا بأحكامه طبقًا للمادة (151) من الدستور المصري.
⚖️ ثانيًا: قانون مكافحة الاتجار بالبشر المصري رقم 64 لسنة 2010
- هذا القانون صدر تنفيذًا مباشرًا لالتزامات مصر بموجب اتفاقية باليرمو وبروتوكولها.
- من ثم فهو قانون مُكمل للدستور من حيث المرتبة القانونية، لأنه يترجم التزامات دولية مصدّق عليها.
- القانون نص بوضوح على أن الضحية لا تُعدّ مسؤولة جنائيًا عن الأفعال التي وقعت تحت الاستغلال، حتى لو كانت قد شاركت فيها ظاهريًا.
📜 المادة (22) من قانون 64 لسنة 2010:
«لا يُعتدّ برضا المجني عليه على الاستغلال في أيٍّ من صور الاتجار بالبشر متى ثبت أن المتهم قد استغل حالة الضعف أو الحاجة أو الوهم أو الخداع أو استغل السيطرة عليه بأي وسيلة كانت.»
أي أن الرضا أو المقابل المالي لا يُسقط صفة الجريمة عن الفاعل ولا يحوّل الضحية إلى متهم.
⚖️ ثالثًا: في حالة بيع الشخص أحد أعضائه مقابل المال
- إذا تم ذلك تحت ظروف فقر أو حاجة أو استغلال من قبل الغير (وسطاء – أطباء – تجار أعضاء...)
 فالقانون والاتفاقية يعتبرانه ضحية وليس فاعلًا أصيلًا.
- ولا يُسأل جنائيًا عن ذلك الفعل،
 بينما يُعاقب من استغله وفقًا لأحكام قانون مكافحة الاتجار بالبشر وقانون تنظيم زرع الأعضاء البشرية رقم 5 لسنة 2010.
⚖️ رابعًا: المرتبة القانونية
- لأن اتفاقية باليرمو اتفاقية دولية مصدّق عليها من البرلمان، فهي تدخل ضمن ما نص عليه الدستور في المادة (151):
«تكون للاتفاقيات الدولية التي تصدق عليها مصر وتُنشر وفقًا للأوضاع المقررة، قوة القانون، بعد إبرامها ونشرها.» 
- كما أن القانون الصادر تنفيذًا لهذه الاتفاقية (قانون 64 لسنة 2010)
 يُعتبر قانونًا مكملاً للدستور لأنه يحمي الحقوق والحريات الأساسية (الحق في الكرامة، سلامة الجسد، وعدم الاستغلال).
✅ النتيجة القانونية
بناءً على ما سبق:
- من باع جزءًا من أعضائه تحت ضغط الحاجة أو الاستغلال المالي أو النفسي أو الاجتماعي لا يُعدّ فاعلًا أصيلًا في الجريمة، بل يُعتبر ضحية اتجار بالبشر.
- الاتفاقية الدولية والقانون المصري رقم 64 لسنة 2010 يغلّبان وصف الضحية على المشارك، حتى لو تلقى مالًا.
- ومن ثم لا يُسأل جنائيًا عن فعله، ويُعفى قانونًا باعتباره ضحية جريمة اتجار بالبشر،
 بينما يُعاقب من استغل حالته (السمسار، الطبيب، الوسيط، المؤسسة الطبية...).
الفرع الأول: الإطار الدستوري والاتفاقي الدولي
أصدرت مصر تصديقها على اتفاقية باليرمو 2000 وبروتوكولها الملحق، وهو ما يترتب عليه التزامها بتنفيذ أحكامها داخليًا. وفقًا للمادة 151 من الدستور المصري:
"الاتفاقيات الدولية التي تصدق عليها مصر وتُنشر وفقًا للأوضاع المقررة، لها قوة القانون، بعد إبرامها ونشرها."
ويعني هذا أن الاتفاقية الملحقة بالبروتوكول الخاص بالاتجار بالبشر تحظى بـ المرتبة القانونية العليا بعد الدستور مباشرة، وتدخل ضمن نطاق القوانين المكملة له.
ينص البروتوكول الملحق على أن:
"الضحية التي يتم استغلالها في أي شكل من أشكال الاتجار بالبشر يجب حمايتها، ويُعتبر الشخص المستغل ضحية إذا وقع تحت الإكراه أو الخداع أو الاستغلال الاقتصادي أو النفسي."
وبذلك، يضع القانون الدولي إطارًا واضحًا لاعتبار البائع لعضوه البشري ضحية إذا وقع تحت أي حالة استغلال، وهو ما يتوافق مع فلسفة حقوق الإنسان الحديثة.
الفرع الثاني: قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010
صدر القانون تنفيذاً لالتزامات مصر بموجب اتفاقية باليرمو وبروتوكولها، ويعكس التوجه التشريعي المصري في حماية الضحايا وعدم مساءلتهم جنائيًا.
تنص المادة 22 من القانون على:
"لا يُعتد برضا المجني عليه على الاستغلال في أيٍّ من صور الاتجار بالبشر متى ثبت أن المتهم قد استغل حالة الضعف أو الحاجة أو الوهم أو الخداع أو استغل السيطرة عليه بأي وسيلة كانت."
كما تعرف المادة 2 الاتجار بالبشر على أنه:
"استغلال شخص آخر بأي وسيلة كانت، سواء كانت للعمل القسري أو الاستغلال الجنسي أو الاستغلال في بيع الأعضاء البشرية."
ويترتب على ذلك أن الرضا أو المقابل المالي لا يبرر الجريمة ولا يحوّل الضحية إلى فاعل أصيل.
الفرع الثالث: التكييف القانوني لبيع الأعضاء البشرية
في حالات بيع الأعضاء البشرية:
- إذا وقع البيع تحت الضغوط الاقتصادية أو الحاجة أو الاستغلال النفسي، فإن القانون المصري والاتفاقية الدولية تعتبر البائع ضحية.
- المسؤولية الجنائية تقع على المستفيد أو الوسيط أو الطبيب الذي قام بالاستغلال.
- المقابل المالي الذي يحصل عليه البائع لا يغيّر من كونه ضحية، لأن القانون يضع حماية الضحية فوق أي اعتبارات مالية.
وتدعم المادة 3 من بروتوكول باليرمو الملحق هذه الرؤية، حيث تؤكد على:
"ضرورة حماية الضحايا من العقاب، وضمان عدم تجريمهم عن أفعال تم ارتكابها نتيجة استغلالهم."
وبذلك، يصبح البائع لعضوه البشري محميًا قانونيًا من المساءلة، بينما يقع كامل العقاب على من استغله.
الفرع الرابع: التدرج التشريعي ومكانة القانون المكمل للدستور
في التسلسل القانوني في مصر:
- الدستور المصري أعلى سلطة قانونية.
- الاتفاقيات الدولية المصدّق عليها، مثل باليرمو، تأتي مباشرة بعد الدستور وفق المادة 151.
- القوانين الوطنية المكملة للدستور، مثل قانون 64 لسنة 2010، تنفذ التزامات الاتفاقية وتكملها.
- القوانين العادية أو اللوائح تأتي في مراتب أدنى.
وبناءً عليه، فإن القانون المصري يُعطي الحماية الكاملة للبائع الذي وقع ضحية للاستغلال، بما ينسجم مع الالتزامات الدولية.
النتائج والتوصيات النهائية
- النتيجة القانونية: البائع لعضوه البشري يُعد ضحية لا فاعلًا أصيلاً إذا وقع تحت أي شكل من أشكال الاستغلال، وفق اتفاقية باليرمو والبروتوكول الملحق وقانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010.
- الحماية القانونية: الرضا أو المقابل المالي لا يسقط صفة الضحية، والمسؤولية الجنائية تقع على المستغل.
- التدرج القانوني: القانون الوطني المكمل للاتفاقية الدولية يُعتبر مكملاً للدستور، ويُعطي أسبقية للحماية على القوانين العادية.
- التوصية: يُفضل إصدار لائحة تفسيرية من وزارة العدل توضح تطبيق القانون على حالات بيع الأعضاء البشرية، لضمان حماية الضحايا وتفادي أي تأويلات خاطئة.
المراجع القانونية
- الدستور المصري، المادة 151.
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو 2000) والبروتوكول الملحق بشأن الاتجار بالبشر.
- قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010، المواد 2، 3، 22.










 
 
 
 
 
 
 
