علماء المسلمين وإثبات كروية الأرض ودورانها
يعد أول من أثبت أن الأرض كروية وهو الخليفة العباسي المأمون، فهو أول من قام بمحاولة دقيقة لقياس أبعاد الكرة الأرضية، حيث جمع كافة علماء الفلك والجغرافيا وكان على رأسهم سند بن علي، والعجيب خاصة في تلك الفترة القديمة أن النتائج كافة جاءت دقيقة بل وقريبة جداً إلى ما وصل إليه علم الجغرافيا المعاصر. والذى تولى الخلافه فى الفتره من 813 م الى 833 م
الفترة | 25 مُحرَّم 198 - 18 رجب 218 هـ (24 سبتمبر 813 - 8 أغسطس 833 م) |
---|
الميلاد | 15 ربيع الأوَّل 170هـ (14 سبتمبر 786 م) بغداد، الخلافة العبَّاسيَّة |
---|---|
الوفاة | 18 رجب 218 هـ (8 أغسطس 833 م) |
كان الإغريق يعتقدون أن الأرض قرص دائري مسطَّح تحيط به مياه المحيطات من كل جانب،
وها هو هكتاتيوس (سنة 500 ق. م)، والذي يُعتبر أبا الجغرافيا الإغريقيَّة، يرسم خرائطه على أساس القرص المستدير،
وبالرغم من أن أفلاطون (سنة 348 ق. م) أتى بأول نظرية عن كرويَّة الأرض إلاَّ أنه لم يلقَ التأييد الكافي ممن جاء بعده، بل إن الدولة الرومانيَّة رفضت هذه الفكرة،
وقالوا بأن الأرض مسطحة، وأن الجانب الآخر غير مأهول؛ وإلا سقط الناس في الفضاء!..
ومما يُذكر في هذا السياق أن راهبًا مصريًّا يُدعى "قزماس" وضع في القرن السادس
الميلادي نظرية فلكيَّة استمدَّها من النصوص المقدَّسة (!!) أصرَّ فيها على
أن الأرض مستطيل مسطَّح، وأنها لا يمكن أن تكون كرويَّة!!..
المثير للعجب أن التعامل مع معارضي أمثال تلك النظريَّات كان يتَّسم بالضراوة البالغة؛
فكان المعارض يتعرض للتعذيب على الخازوق أو الحرق حيًّا بتهمة الهرطقة
(التي تعني كنسيًّا: المروق عن الدين الصحيح)!!...
بل كان علماء أوروبا حتى القرن الثالث عشر الميلادي يرسمون خريطة العالم
على شكل صليب: رأسه هي الجنة، وقدماه هي النار، وذراعاه: البحر الأبيض والبحر
الأحمر.. وبيت المقدس (أورشليم) في موضع القلب!!!.
من أشهر العلماء الأوروبيين الذين تبنَّوا نظريَّة كرويَّة الأرض "نيقولا كوبرينكوس"
(1473م – 1543م) الذي توصَّل إلى أن الأرض ليست مركز الكون..
إلا أنه لم يتجرأ على نشر كتابه إلا وهو على فراش الموت!! وظل كتاب "كوبرنيكوس"
من الكتب المحرمة، واضطهدت الكنيسة كل من يؤيد اعتقاد "كوبرنيكوس"
مثل "برونو" الذي أُعدم حرقًا، و"جاليليو" الذي أودع السجن حتى أُرغم على التنكر
لنظرية "كوبرنيكوس" والتخلي عن آرائه، والانصياع للفكر الكنسي!!!..
ولما جاءت الحضارة الإسلاميَّة، اشارت لكروية الأرض وتبنَّتها، وربما كان من أهمِّ أسباب ذلك أن القرآن أشار بصور مختلفة إلى كروية الأرض، ضمن العديد من الايات القرانيه فمن ذلك قوله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30]. والدحية في اللغة هي الكرة، كما أن هناك آيات تتحدَّث عن دوران هذه الكرة حول نفسها بما يُحدِث الليل والنهار،
قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5) .
الآية واضحة كل الوضوح . بل وتدل على دوران الارض وكرويتها يكور الليل على النهار فيخفيه و يكور الليل .
ويكور النهار على الليل فيخفيه و يكور النهار لو لم يكن شكل الارض كرويا وتدور حول نفسها , الى غير ذلك من الايات التى تشير لكروية الارض .
أبو القاسم عُبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن خُرداذبه (205 - 300 هـ / 820 - 913 م) المَعروف باسم اِبن خُرداذُبه اول من اشار للجاذبيه حيث كان أشار بصراحة إلى جاذبية الأرض وكُرويتها وذلك في قوله: «إن الأرض مدورة كدوران الكرة، موضوعة كالمُحَّةِ في جوف البيضة والنسيم حول الارض وهو جاذب لها من جميع جوانبها الى الفلك وبنية الخلق على الارض ان النسيم جاذب لما فى ابدانهم من الخفّة والارض جاذبة لما فى ابدانهم من الثقل لأن الارض بمنزلة الحجر الذي يجتذب الحديد ...»
- أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله/ابن خرداذبه (1 يناير 2014). المسالك والممالك لابن خرداذبة. Dar Al Kotob Al Ilmiyah دار الكتب العلمية. ص. 9. ISBN:978-2-7451-7756-8. مؤرشف من الأصل في 2023-08-15.
كما كتب ابن رُستة(ت 290هـ/ 903م): "إن الله وضع الفلك مستديرًا كاستدارة الكرة، أجوف دوَّارًا، والأرض مستديرة أيضًا ومصمتة في جوف الفلك" وللأديب الشهير ابن عبد ربه وهو صاحب كتاب العقد الفريد، أبيات له يردُّ فيها على أبي عبيدة مسلم بن أحمد الفلكي، عرفنا منها أن أبا عبيدة الفلكي قال بكروية الأرض، وإنه من اللافت للنظر أن نجد أنَّ أبا عبيدة هذا يُذكر في ترجمته أن السقوط من السماء إلى الأرض أهون عليه من الكذب، فإنها وإن كانت معلومة أخلاقيَّة بالمقام الأول إلا أنها تعطي انطباعًا كذلك على دقة التحري، وطول البحث قبل النطق بالنتيجة، وهو من علماء القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي)، ومن أوائل من اشتغل بالفلك في الأندلس، إن هذا مهمٌّ في أن نعرف أن العالم الإسلامي لم يقاوم ولم يعارض تلك الاكتشافات العلمية مهما بدتْ له غريبة، وأن ما كان له من معارضة لم يتعدَّ السجال الطبيعي، ذلك جدير أن نتذكره حين نتذكر كيف كانت مسيرة التطور العلمي مختلطة بالدماء والحرائق ومحاكم التفتيش بعد ذلك في أوروبا بخمسة قرون.
وأشار كذلك الإمام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب إلى كروية الأرض فقال :
"إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، و قد جعل الله حجم الأرض عظيماً لا يقع البصر على منتهاه ، و الكرة إذا كانت في غاية الكبير كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد ".
ابن حزم وكروية الأرض
ومن الجديرٌ بالذكر أيضًا أن نقول إن عالِم الدين الإسلامي لم يقف في صف العامَّة، بل وجد في الإسلام ما يؤكِّد الحقيقة العلمية ويعارض منكريها؛ فينقل ابن حزم مثلاً إجماع أئمة المسلمين على كروية الأرض فيقول: "قالوا: إن البراهين قد صحَّت بأن الأرض كرويَّة، والعامَّة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقِّين لاسم الإمامة بالعلم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يُحفَظ لأحدٍ منهم في دفعه كلمةٌ، بل البراهين من القرآن والسُّنَّة قد جاءت بتكويرها، قال الله : {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: . وهذا أوضح بيانٍ في تكوير بعضها على بعض، مأخوذ من: كوَّر العمامة، وهو إدارتها، وهذا نصٌّ على تكوير الأرض... -
الإدريسي وكروية الأرض
وقد ذكر الشريف الإدريسي ما نصُّه: "وإن الأرض مدوَّرة كتدوير الكرة، والماء لاصقٌ بها، وراكد عليها ركودًا طبيعيًّا لا يفارقها، والأرض والماء مستقرَّان في جوف الفلك كالمُحَّة في جوف البيضة، ووَضْعُهُما وَضْعٌ متوسط، والنسيم يحيط بها (يقصد الغلاف الجوي) من جميع جهاتها".
وعن الخرائط التي رسمها الإدريسي يقول ول ديورانت:"وكانت هذه الخرائط أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى، لم ترسم قبلها خرائط أتم منها، أو أدق، أو أوسع وأعظم تفصيلاً"، وكان الإدريسي يُجزم كما تجزم الكثرة الغالبة من علماء المسلمين بكريَّة الأرض، ويرى أن هذه حقيقة مُسلَّم بصحتها"
هذا وقد ذكر غير واحد من أهل العلم الإجماع على كروية الأرض ، ومن ذلك :
ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أبي الحسين ابن المنادي رحمه الله ، حيث قال " وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد : لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة ......
قال : وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة . قال : ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد ، بل على المشرق قبل المغرب " انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/195) باختصار .
وسئل بن تيميه رحمه الله : عن رجلين تنازعا في " كيفية السماء والأرض " هل هما " جسمان كريان " ؟ فقال أحدهما كريان ؛ وأنكر الآخر هذه المقالة وقال : ليس لها أصل وردها فما الصواب ؟ فأجاب : " السموات مستديرة عند علماء المسلمين ، وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام : مثل أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف ، وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزي ، وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين ، وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله ، وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية ، وإن كان قد أقيم على ذلك أيضا دلائل حسابية ، ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك ، إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجمين قالوا على سبيل التجويز : يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك ، ولم ينفوا أن تكون مستديرة ، لكن جوزوا ضد ذلك ، وما علمت من قال إنها غير مستديرة - وجزم بذلك - إلا من لا يؤبه له من الجهال ..." انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/586) .
بن حزم واثبات كروية الارض
وقال أبو محمد ابن حزم رحمه الله : " مطلب بيان كروية الأرض :
قال أبو محمد وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به ، وذلك أنهم قالوا : إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية ، والعامة تقول غير ذلك ، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة ، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها ... " وساق جملة من الأدلة على ذلك "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (2/78) .
ومن الأدلة على كروية الأرض :
قوله تعالى : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) الزمر/5 .
وقد استدل ابن حزم وغيره بهذه الآية .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الأرض كروية بدلالة القرآن ، والواقع ، وكلام أهل العلم ، أما دلالة القرآن ، فإن الله تعالى يقول : ( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) ، والتكوير جعل الشيء كالكور ، مثل كور العمامة ، ومن المعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض ، وهذا يقتضي أن تكون الأرض كروية ؛ لأنك إذا كورت شيئاً على شيء ، وكانت الأرض هي التي يتكور عليها هذا الأمر لزم أن تكون الأرض التي يتكور عليها هذا الشيء كروية .
وأما كلام أهل العلم فإنهم ذكروا أنه لو مات رجل بالمشرق عند غروب الشمس ، ومات آخر بالمغرب عند غروب الشمس ، وبينهما مسافة ، فإن من مات بالمغرب عند غروب الشمس يرث من مات بالمشرق عند غروب الشمس إذا كان من ورثته ، فدل هذا على أن الأرض كروية ، لأنها لو كانت الأرض سطحية لزم أن يكون غروب الشمس عنها من جميع الجهات في آن واحد ، وإذا تقرر ذلك فإنه لا يمكن لأحد إنكاره ، ولا يشكل على هذا قوله تعالى : ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) لأن الأرض كبيرة الحجم ، وظهور كرويتها لا يكون في المسافات القريبة ، فهي بحسب النظر مسطحة سطحاً لا تجد فيها شيئاً يوجب القلق على السكون عليها ، ولا ينافي ذلك أن تكون كروية ، لأن جسمها كبير جداً ، ولكن مع هذا ذكروا أنها ليست كروية متساوية الأطراف ، بل إنها منبعجة نحو الشمال والجنوب ، فهم يقولون : إنها بيضاوية ، أي على شكل البيضة في انبعاجها شمالاً وجنوباً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وبهذا تعلم أن كون الأرض كروية ، لا ينافي كونها كالبيضة ، وإنما القول الباطل هو الزعم بأنها مسطحة كما كانت تعتقد الكنيسة ، ولهذا كانت تلعن وتحرق من يقول بكرويتها من العلماء ،
والعجيب -بعد كل ما سبق- أن بعض الكتب والمراجع العربيَّة ما زالت تنقل عن المراجع الأجنبيَّة أن المسلمين لم يعرفوا نظرية كرويَّة الأرض، وأن هذه النظرية لم تُعْلَنْ إلاَّ بفضل (كوبرنيكس) وحَسبُك الآن مقارنة تاريخ وفاة كوبرنيكس (1543م) بأعوام وَفَيَات علماء المسلمين الذين سبق ذكرهم؛ ليتبيَّن لك: مَن أخذ ممَّن؟!.
الخليفة المأمون وقياس أبعاد الأرض
وإذا ما قد أثبت المسلمون كروية الأرض، فإنه ينسب إلى الخليفة العباسي المأمون (ت 218هـ/ 833م) أنه أوَّل مَنْ قام بمحاولة لقياس أبعاد الكرة الأرضيَّة، حيث جاء بفريقين من علماء الفلك والجغرافيا، فريق برئاسة سند بن علي وفريق بقيادة علي بن عيسى الأسطرلابيّ، ويقال: إن رئاسة أحد الفريقين كانت لبني موسى بن شاكر، واتفق معهما أن يذهبا إلى بقعتين مختلفتين على الدائرة العظمى من محيط الأرض شرقًا وغربًا، ثم يقيسا مقدار درجة واحدة من خطوط ال
والعجيب أن النتائج جاءت دقيقة وقريبة مما توصَّل إليه العلم المعاصر؛ فقد أخذ المأمون متوسط قياس الفريقين، فوجده 56.66 ميلاً تقريبًا، والذي توصَّل إليه العلم المعاصر هو 56.93 ميلاً، وعلى قياس المأمون هذا، فإن محيط الأرض يبلغ 20.400 ميل، أي حوالي: 41,248كم، ومن خلال مقارنة هذه القيمة مع القيمة التي قيست بواسطة الأقمار الصناعية في العصر الحديث، وهي 40.070 كم، يتَّضح أن نسبة الخطأ في قياسات فريق المأمون لم تتجاوز (3 %)!!، وهو أمر جديرٌ بالتقدير، وكان كتاب "جغرافيا بطليموس" من الكتب الأساسيَّة التي اعتمد عليها المسلمون في إرساء قواعد علمهم، وهو يكاد يكون الكتاب الوحيد الذي تناولوه في هذا الموضع من تراث السابقين مع كتاب مارينوس الصور الأقل أهمية .
علماء المسلمين يصححون أخطاء السابقين
وصحح المسلمون ما وقع بطليموس فيه من الأخطاء عند تحديد الأطوال والأعراض، ومن هذه الأخطاء أنه بالغ كثيرًا في تحديد طول البحر المتوسط، وبالغ في تحديد امتداد الجزء المعمور من الأرض المعروف له، وجعل المحيط الهندي والهادي بحيرة، وذلك عندما وصل جنوبي آسيا بجنوبي إفريقيا، وبالغ في تحديد حجم جزيرة سيلان، وأخطأ في تحديد وضع بحر قزوين والخليج العربي خطأً فاحشًا، وقد صحَّح المسلمون كل هذه الأخطاء وغيرها، ثم خَلَّفوا للعالم جغرافيتهم الوصفيَّة التي اشترك في إعطائها صورتها الأخيرة جمهرةٌ من العلماء والرحَّالة طوال خمسة قرون على الأقل، فتركوا بذلك أثرًا -نَسِيجَ وَحْده-
من آثار العصور الوسطى
كانت مواضع المدن الكثيرة التي عيّنها بطليموس تعيينًا جغرافيًّا غير مطابقة للحقيقة تمامًا، وبلغ مقدار غلطه في تعيين طول البحر المتوسط وحده أربعمائة فرسخ. ويكفي أن نقابل بين الأمكنة التي عيّنها الأغارقة والأمكنة التي عينها العرب؛ ليظهر لنا مقدار التقدُّم الذي تم على يد العرب.
علماء المسلمين ووضع خطوط الطول ودوائر العرض
يُعدُّ المسلمون أول مَنْ وضع خطوط الطول وخطوط العرض على خريطة الكرة الأرضية، وقد وضعها العالم أبو علي المراكشي (ت 660هـ/ 1262م)؛ وذلك لكي يستدلَّ المسلمون على الساعات المتساوية في بقاع الأرض المختلفة للصلاة، كما وضع البيروني قاعدة حسابيَّة لتسطيح الكرة؛ أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطحٍ مسطَّح وبالعكس، وبهذا سهَّل رسم الخرائط الجغرافية. *
علماء المسلمين ودوران الأرض
في الوقت الذي كان العالم لا يتخيَّل فيه أن الأرض كرة لم يكن هناك مَنْ يناقش مسألة دوران الكرة حول نفسها، ولكن ثلاثة من علماء المسلمين كانوا أول من ناقش فكرة دوران الأرض في القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري)، وهم علي بن عمر الكاتبي، وقطب الدين الشيرازي، وأبو الفرج علي من سوريا، فقد كان هؤلاء الثلاثة أول من أشار في التاريخ الإنساني إلى احتمال دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس مرَّة كل يومٍ وليلة، وعن هؤلاء العلماء يقول سارتون:"إن أبحاث هؤلاء العلماء الثلاثة في القرن الثالث عشر لم تذهب سُدًى، بل كانت أحد العوامل التي أثَّرت في أبحاث كوبرنيكس في نظريته التي أعلنها سنة 1543م.
موسوعات المسلمين في الجغرافيا
لقد وضع علماء الحضارة الإسلامية في علم الجغرافية موسوعات جغرافية حقيقية، منها مثلاً كتاب ياقوت الحموي (معجم البلدان)، ذلك الذي يقول فيه ديورانت: "موسوعة جغرافية ضخمة جمع فيها كل المعلومات الجغرافية المعروفة في العصور الوسطى، ولم يكد يترك شيئًا من هذه المعلومات إلا أدخله في هذه الموسوعة؛ من فلكٍ، وطبيعة، وعلوم آثار، والجغرافية البشرية، والتاريخ، هذا إلى ما أثبته فيها من أبعاد المدن بعضها عن بعضٍ، وأهميتها، وحياة مشهوري أهلها وأعمالهم، ولسنا نعلم أن أحدًا أحبَّ الأرض كما أحبها هذا العالم العظيم".
. يقول جوستاف لوبون:"وكُتُب العرب التي انتهت إلينا في علم الجغرافيا مهمَّة إلى الغاية، وكان بعضها أساسًا لدراسة هذا العلم في أوربا قرونًا كثيرة". ثم يضيف لوبون: "وخريطة الإدريسي التي نشرتُ صورتها والتي اشتملت على منابع النيل والبحيرات الاستوائية الكبيرة -أي على هذه الأماكن التي لم يكتشفها الأوربيون إلا في العصر الحاضر- أكثرُ خرائطِه طرافةً، فهي تثبت أن معارف العرب في جغرافية إفريقيا أعظم مما ظُنَّ زمنَا، وكان للخرائط الإسلامية وما كتبه المسلمون في علوم البحار أثرٌ بالغ في تقدُّم الملاحة.
فكيف علم محمد صلى الله عليه و سلم ذلك قبل اكثر من الف واربعمائه عام ؟!
0 88: dm4588a03ktc88z05.html
إرسال تعليق